*بقلم علي خيرالله شريف*
من الراسخ في أصول المفاوضات أن كل طرف يضع الشروط القصوى ثم يفاوض إلى أن يصل إلى الحد الأدنى الذي يحفظ حقوقه وحقوق بلده. وإن لم يفعل ذلك فسيكون إما ساذجاً مضحوكاً عليه، وإما متواطئاً بائعاً لوطنه. فأين يقع المسؤولون اللبنانيون من هاتين المنزلتين؟
لا أحب أن ألف وأدور حول الموضوع، ولا أحبُّ أن أُدَوِّر الزوايا وأشذِّب الألفاظ، بل أفضل الكلام بالمباشر. ماذا يُسمَّى أداء لبنان الرسمي في المفاوضات التي يسمونها غير مباشرة مع العدو؟
كل المواثيق والدراسات واللجان والاتفاقيات تقول أن حدود لبنان البحرية هي عند الخط 29، والجيش اللبناني الـمولَج رسمياً وقانونياً ودستورياً تحديد حدود البلاد، قد أثبت ذلك. وتكلم عن ذلك العديد من الكتاب والخطباء والمحللين والمؤرخين والخبراء والاختصاصيين. وإذا بالحكومة اللبنانية والرئاسات الثلاث قد تخلوا بكل سهولة عن الخط 29 وعن العديد من أبار الغاز الهائلة التي يضمها، وراحوا يفاوضون كطاحونة الهواء لِيَتَسَوَّلوا من العدو جزءاً من المساحة التي يضمها الخط 23، أي حوالي 550 كم2 من أصل 2290كم2 من المياه البحرية(2290 كم2 أي حوالي ربع مساحة لبنان). وبدل أن يبلغوا هوكشتاين شرطهم الأساسي مغادرة السفينة اليونانية قبل أي كلام، كما نصحهم سماحة السيد حسن ن_ص_ر_ا_ل_ل_ه، راحوا يتبرعون لهذا المبعوث الأميركي بكل أنواع التنازلات بدون أي مقابل من جانبه بصفته راعي المفاوضات المنحاز بشدة للعدو.
نقولها مراراً وتكراراً أن لبنان حالياً هو من أقدر الدول على تحصيل حقوقه وعلى حمايتها، بفضل مقا_وم_ته وبفضل ثلاثيته الذهبية المعروفة. في حين نجد أداء المسؤولين فيه مُريباً إلى حد سوء الظن بهم، إن لم نقل أكثر. تصرفاتهم ليست سوى كلام بكلام وجعجعة بلا طحين وكأنهم يريدون تمرير أطول وقت ممكن لينجو العدو بفعلته. وإذا أحسَنَّا الظن بهم، نقول كأنهم لا يفقهون بأصول الحكم ولا بأصول العلاقات الدولية والمفاوضات.
كيان العدو بدأ يستخرج الغاز، ووقع عقود بيعه مع أوروبا ومع الكثير من الدول العربية والإسلامية والجهات الدولية. وحشد عشرات الدول إلى صفه بمواجهتنا؛ عشرات الدول الـمُتَعَطِّشة للغاز الذي سيستخرجه من مجالنا الاقتصادي ومن المياه الإقليمية الفلسطينية ليستغل الحظر على الغاز الروسي. والمسؤولون اللبنانيون ما زالوا يتشدقون بنظرياتٍ سخيفة، ويقيمون ولائم التَمَلُّق السخية والـمُسرِفة، ويصرعون سمانا بهوكشتاين وبالمفاوضات المذلة التي فرضها علينا للمماطلة والتسويف وتمرير الصفقات وتضييع حقوق الشعب اللبناني المسحوق والمغلوب على أمره.
باختصار نقول: إن حماية الوطن من البيع تتطلب إما ثورة شعبية حقيقية عارمة تقلب الطاولة على رؤوس هكذا مسؤولين، وإما أن يستلم الحكم ديكتاتور يُعلق المشانق ويضرب الأعناق المستهترة، بيد العدالة والنزاهة والوطنية. غير ذلك سنطير كلنا من الوجود كلما حطت طائرة هوكشتاين أو طائرات المبعوثين الأمميين الذين يستعدون للمجيئ إلينا في القريب العاجل للتفرج على سذاجتنا ونحن نتفاوض على السمك في البحر أو على تعبئة الماء بسلال القش.
الأربعاء 15 حزيران 2022